لأنها تحمل في طياتها مجموعة من القيم الإنسانية الخالدة، تبقى المحاماة مهنة ورسالة عرفها البشر في جميع مراحل تطورهم الحضاري، مما جعلها مهنة اجتماعية في المقام الأول. فالمحامي مطالب دائماً بالتماس المباشر مع المجتمع من خلال التواصل مع أفراده. فالتواصل الاجتماعي من أهم ما يجب على المحامي الاهتمام به لخلق مكانته المهنية. والمحامي البعيد عن المجتمع بعيد عن فهم مشاكله ما يجعله أبعد عن الدفاع عن حقوقه وترجمة مطالب أفراده أمام القضاء بالشكل القانوني الصحيح. وعلى هذا يعتبر التواصل الاجتماعي أساساً لعلاقات المحامي المهنية وبصفة عامة الشخصية أيضاً، ويعرف على أنه الطاقة الموجودة بين البشر عندما يكونون موضع سمعٍ ورؤية وتقدير. ويعد التواصل الاجتماعي انعكاساً لمشاعر الأشخاص تجاه بعضهم البعض، ويختلف بين الأفراد والمجموعات البشرية باختلاف وسائله وأدواته. هذه الوسائل التي كان أحد أهمها ما ظهر في بداية القرن الواحد العشرين وهي “وسائل التواصل الاجتماعي عبر شبكات الانترنت”. وقبل الخوض في الحديث عن استخدام المحامي لها فضلنا التعريف بوسائل التواصل الاجتماعي وظهورها وتطورها
ظهور وتطور وسائل التواصل الإجتماعي:
بدأ الحديث عن التواصل الاجتماعي عبر شبكات الإنترنت منذ نهاية القرن العشرين، وبالتحديد في أبريل من عام 1999، عندما طرح المصمم والخبير الأمريكي دارسي دينوشي مصطلح الويب 2.0 لأول مرة وتوقع أن يكون له تأثير كبير للغاية على العلاقات العامة. ويشير مصطلح ويب 2.0 إلى مجموعة من شبكات الإنترنت التي وصفت بالتشاركية والتي أدت في نهاية المطاف إلى تغيير سلوك الأنترنت من خلال تأكيد إبراز المحتوى المنشئ من قبل المستخدم، والحرص على سهولة الاستخدام
وعلى هذا، فإن السلوك الجديد للأنترنت أصبح يسمح للمستخدمين بالتفاعل مع بعضهم كمنشئي محتوى في فضاء افتراضي واسع، بعد أن كان الحال مختلف مرحلة ما قبل الويب 2.0، والذي يعرف بالويب 1.0 والذي يعتبر المرحلة الأولى من تطور شبكات الإنترنت العالمية والتي بدأت منذ عام 1991، ووفقاً لهذا النظام فإن منشئي المحتوى قليلون والغالبية العظمى من المستخدمين كان دورهم استهلاك المحتوى فقط.
وتعد وسائل التواصل الاجتماعي أحدث تطبيقات السلوك الجديد لشبكة الإنترنت 2.0 ويمكن القول أن الفكرة منها ببساطة هي جمع الناس معاً وخلق فضاءات عامة. ولكن هذا ما قد يشير إلى تقنيات أكثر شمولية وتقليدية مثل البريد والهاتف والبريد الالكتروني؛ ولذلك أشار بعض الباحثين الأوائل إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي هي شبكات اجتماعية ظهرت في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويمكن تحديدها من خلال أربع ميزات مشتركة
وسائل التواصل الاجتماعي هي تطبيقات الشبكة 2.0 القائمة بشكل كامل على الإنترنت
المحتوى المنشئ عبر المستخدم هو شريان الحياة داخل هذه الوسائل
ينشئ المستخدمون ملفات تعريف خاصة تم تصميمها من قبل الموقع نفسه
تطور وسائل التواصل الاجتماعي الشبكات الاجتماعية من خلال ربط ملف التعريف الخاص بالمستخدم بملفات أفراد ومجموعات أخرى بالاعتماد على القواسم المشتركة بينهم
وتعرف وسائل التواصل الإجتماعي بالتقنيات التفاعلية بواسطة الحاسوب عبر المجتمعات والشبكات الافتراضية، والتي تسهل نشر المعلومات والأفكار والاهتمامات المهنية وأشكال أخرى من التعبير. وهي إذاً في نفس السياق وسائل للتواصل والتفاعل المحدد بين أشخاص يتقاسمون و يتشاركون نفس الاهتمامات. إن تنوع خدماتها يجعل من الصعب تحديدها؛ ومع ذلك يتفق خبراء التسويق ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام على أنها تتضمن ثلاثة عشر نوع كالتالي:
المدونات، المدونات الصغيرة، شبكات الأعمال، المشاريع التعاونية، الشبكات الاجتماعية للمؤسسات، المنتديات، مشاركة الصور، الخدمات، شبكات التفضيل، الألعاب الاجتماعية، الشبكات الاجتماعية، مشاركة الفيديوهات والعوالم الافتراضية
يستخدم الفيسبوك ما يقارب المليارين والنصف – ثلث – من سكان العالم. واليوتيوب مليارين والواتس أب مليارين التويتر ما يقارب 400 مليون و”اللينكد إن” منا يقارب 310 مليون
:المحامون ومواقع التواصل الاجتماعي
المحامون ليسوا استثناءاً من هذا، بل إنهم في صلب هذا التطوير وذلك راجع إلى كون المحاماة مهنة اجتماعية في المقام الأول. فالمحامي بحاجة إلى التواصل مع المجتمع بكافة فئاته ومكوناته ومتابعة الأحداث والتطورات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية بشكل دائم. وفي الواقع، إلى جانب استخدام الأدوات “الكلاسيكية” مثل مواقع الويب التي تسمح لهم بتقديم وعرض مكاتبهم القانونية، تتضاعف المدونات الإلكترونية القانونية التي تسمح لهم بمشاركة خبراتهم مع العامة. ومنذ البداية استخدم المحامون حول العالم وسائل التواصل للتعبير عن أرائهم في القانون وإعلان مواقفهم من قضايا ذات رأي عام، وذهب البعض – في دول يسمح نظامها القضائي بذلك – إلى استخدام وسائط التواصل الاجتماعي في بث توجه الدفاع. وامتهن الكثير من الخبراء القانونيين تقديم خدمات الاستشارة عبر فيسبوك فأحدثت لهذا الغرض منتديات ومجموعات وصفحات عامة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الكثير من المحامين يستخدمون وسائط التواصل الاجتماعي – خصوصاً فيسبوك – في مسائل مهنية وشخصية، ما يكون له تداعيات على الحياة المهنية والسمعة الالكترونية للمحامي. وهذا ما جعلنا نطرح السؤالين الآتيين، وسنحاول الإجابة عليهما
المحامي ووسائل التواصل الاجتماعي؛ ماذا يمكن أن تكون الامتيازات أو المزايا؟ وبشكل أهم، ما هي النقائص والعيوب؟
:مزايا استخدام المحامي وسائل التواصل الاجتماعي
:التحكم بالظهور
إلى جانب العديد من أساليب الجذب التي يمارسها المحامي، تأتي مواقع التواصل الاجتماعي لتمنح فرصة فريدة من نوعها في ظهور المحامي بالشكل المهني الذي يريده
:إن مزايا استعمال هذه المواقع في المجال المهني كثيرة، أهمها
تضع المحامي أمام الكثير من المشاهدين والمستمعين
من خلال المداخلات سوف يظهر خبرته بطريقة فريدة
القيام بجذب أكبر عدد من الأشخاص
إثراء الشبكة المهنية
يجب على المحامي قبل استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وضع أساسيات ظهوره في هذه المواقع بالشكل المهني اللائق. و تتويجاً للتفكير الاستراتيجي يجب اختيار الشبكة الاجتماعية المناسبة
ولوضع الأساسيات يجب الإجابة على بعض الأسئلة يأتي على رأسها: ما هو هدف المحامي من الظهور على منصات التواصل؟ إن الإجابة على هذا السؤال سوف تسهل على المحامي طريقة نشره للمعطيات والمعلومات على صفحته المهنية. وسوف تساعده على معرفة الإجابة على السؤال التالي وهو ما هي أفضل منصة للتواصل؟ فمعرفة المنصة يعكس من هم الجمهور. فمثلاً الجمهور في موقع فيسبوك ليسوا هم في موقع لينكدن”Linked In”، وذلك لأن تصميم هذا الأخير مختلف جذرياً حيث يستخدم لأغراض مهنية بحتة وهذا ما يعكس النشاط داخل الموقع فلا تجد سوى إنجازات مهنية منشورة، وهذا ما يجعل نشر نشاطات يومية وتعليقات شخصية أموراً غير مستساغة
:التواصل الفعال مع الزملاء المهنيين
يستطيع المحامي من خلال منبره المهني التواصل مع فئات المهنيين بصفتهم المهنية من جهة. والبقاء على تماس مباشر مع مستجدات القانون والآراء الفقهية والمهنية من جهة أخرى. وعلى سبيل المثال، بتاريخ 21/06/202، أنشئت مجموعة مغلقة في فيسبوك تسمى “فضاء تواصل المحاميات والمحامين المغاربة”، ولم يمضي أسبوع واحد على إنشائها حتى التحق بالمجموعة أكثر من خمسة آلاف محامية ومحامي، وبدأ الأعضاء بدايةً بنشر صور لهم والتعريف بنفسهم، وترافق هذا من العديد من المداخلات في الشأن المهني والإجتماعي. وكما كان لهذه المجموعة بعض السلبيات ـ التي سوف نتطرق لها في بحث أخر ـ فإن من إيجابياتها أنها أعطت الفرصة للمحاميات والمحامين التعريف بأنفسهم زملاء لهم في جميع أنحاء المملكة المغربية، وسمحت للجميع بالتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم وما يجول في خلجات أنفسهم في فضاء مهني مغلق
: ربط القضاء بالعالم الخارجي بشكل أكبر
في أنظمة قضائية يمنع فيها تصوير الجلسات كما هو الحال في النظام القضائي المغربي، يمكن أن يكون لوسائل التواصل الاجتماعي دور في ربط القضاء بالعالم الخارجي؛ ففي عام 2011 وافقت محكمة فيدرالية سويسرية لأول مرة في تاريخ القضاء السويسري على طلب الدفاع بإستخدام التويتر والتغريد عن مجريات الجلسات أثناء انعقادها. في نفس السياق أذنت محكمة العدل العليا في بريطانيا باستخدام تويتر أثناء المحاكمة، في ظل ظروف معينة. وبررت المحكمة استخدام التكنولوجيا الحديثة في غرض إبلاغ العالم الخارجي عن مجريات المحكمة ليس بشكل عام – خطر -، ومن الممكن أن يساعد على جعل وسائل الإعلام تنشر تقارير أكثر دقة للجمهور
:المخاطر المرتبطة بإستخدام المحامي لمواقع التواصل الاجتماعي
:العلاقات المهنية والصداقات الشخصية
كغيره من الناس، يحظى المحامي بحياة شخصية يتمتع بها بحرية أكبر من حياته المهنية، وهذا ما ينعكس على طبيعة علاقاته الاجتماعية وظهوره في التجمعات العامة. وبالرغم من مساحة الحرية الممنوحة للمحامي في حياته الشخصية إلا أن المهنة تبقى حاضرة في كثير من الظروف التي يعيشها خارجها، وممكن له بأي لحظة أن يبرز صفته المهنية في الدفاع إذا ما فرض ذلك عليه في مواقف معينة
يبني المحامي شبكة من العلاقات خلال ممارسته للمهنة، وعادةً ما نرى أن المحامي يثري شبكته الافتراضية بأصدقاءٍ تعرفَ عليهم أثناء العمل، تشمل القائمة فاعلين في أسرة القضاء، تربط بينهم علاقات غالباً ما تتحول إلى صداقات شخصية. هذه العلاقات يمكن أن ترتب عواقب عندما تعرض بشكل علني شبكات التواصل الاجتماعي. غالباً ما تستخدم المواقع الافتراضية – فيسبوك مثلاً – عبارةَ أصدقاء للتعبير عن قائمة الأشخاص الافتراضيين الذين يتابعون بعضهم بعضاً؛ هل يمكن للمحامي إضافة قاضي إلى قائمة أصدقائه والعكس صحيح؟ السؤال المهم هو مدى التقارب في الصداقة لأن المحامي في حياته الخاصة له الحرية في اقامة العلاقات مع الأشخاص الذين يختارهم، وليس من المستهجن الاختلاط مع القضاة، ومع ذلك قد يكون عرض هذه العلاقات علناً مشكلة
ترى لجنة الأخلاقيات في هيئة باريس أن ذكر اسم قاضي أو أي مهني أخر يجب أن يتم بطريقة محايدة ومن دون إبراز دور أو مهنة جهات اتصال المحامي. ولنفترض أن خاسرَ دعواه أمام القضاء نظرَ إلى قائمة أصدقاء محامي خصمه، فوجد قاضي الحكم في الدعوى ضمن أصدقاء المحامي، ولو كانت هذه الحالة غير موجبة لتجريح القاضي، حيث أن الشروط الواردة في الفصل 295 من قانون المسطرة المدنية واضحة في كون علاقة الصداقة يجب أن تكون بين أحد الأطراف والقاضي ولم يأتي ذكرٌ لدفاع الطرف، فإنها سوف تكون فرصة لخاسر الدعوى للتشكيك في حيدة القاضي ما يؤثر على هيبة القضاء بشكل خاص وعلى أسرة القضاء والتي يعتبر المحامون أحد أقوى أعمدتها بشكل عام. وفي نفس السياق أيدت محكمة النقض الفرنسية حكماً مستئنفاً فى شأن مفهـوم الصـداقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث رفضت اعتباره فى حد ذاته سبباً موجباً لرد القاضى لعدم حيدته أو عدم نزاهته، إلا أنها لم تستبعده كسبب لرد القاضى إذا وجدت من الأسباب ما يؤيد ذلك، وبالتالي يمكن أن تكون الصداقة عبر تلك الوسائل أيا كانـت facebook..Twitter ,Linkedin صداقة حقيقية بالمفهوم التقليدى لها، وبالتالى تصبح مانعاً من نظر الدعوى من قبـل القاضـي لكونها تؤثر على حيدته واستقلاله. وللملاحظ أن يرى أن محكمة النقض الفرنسية أعملت الفردانية على القضية المعروضة عليها ولم تستبعد المبدأ بشكل عام إذا ما تحققت الأسباب، هذا ما يفتح باب الاجتهاد في الموضوع.
:المخاطرة بالقواعد والأعراف الأخلاقية التقليدية
إن أعراف وقواعد مهنة المحاماة هي الحصن المنيع لها من غارات أعداء العدالة لطمس نورها المشع، والمتمثل في بدلة الدفاع المقدسة عن حقوق الناس وحرياتهم. تواجه مهنة النبلاء هجوماً يترافق مع طفرة مستمرة متصاعدة من تطور التكنولوجيا واعتماد الوسائل الاجتماعية منبر للتعبير عن ما يجول في خاطر المعبرين. فغالباً ما تكون أول جملة تقرأها في أي وسيلة تواصل اجتماعي هي “ماذا تفكر؟” ما خلف أثراً متميزاً على كثير من مستخدمي هذه الوسائل لأغراض مهنية وغير مهنية. فأصبح المحامي بمجرد أن يعرف نفسه كمحامي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وفي نفس الوقت يقوم بنشر أمور شخصية فهذا خلط واضح بين الشخصي والمهني له آثار وعواقب سوف أتناول البعض منها مثل السرية المهنية، الاستشارات عبر شبكة الإنترنت، التشبث بالوقار المهني والإشهار عبر مواقع التواصل الاجتماعي
:التشبث بالوقار
ينص قانون مهنة المحاماة المغربي على أن من واجبات المحامين التشبث بالوقار، وهذا ما يفترض في المحامي التقيد بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة. إن سمة المحاماة الأولى هي الوقار، فإن فقد المحامي وقاره، وفقد موكله، وفقد قضيته، وفقد قاضيه، وفقد نفسه
يتحتم على المحامي استحضار الالتزامات الاخلاقية للمهنة قبل نقر أي تعليق أو رسالة أو منشور، فالحد بين الحياة الشخصية والمهنية غير واضح المعالم في عالم وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية، حيث يكون التواصل أحياناً أكثر عفوية وأقل مهنية. هذا ما يجعل المحامي مسؤولاً في واجب المجاملة من خلال الاعتدال، وعدم المبالغة في المجاملة وإلا أثر ذلك على وقار وكرامة المحامي. لذلك يتوجب عليه الانتباه للتعليقات والمواقف غير المدروسة المتخذة على شبكته من قبله أو من قبل متابعيه، فأي تعليق في هذا الاتجاه لن يكون مقبولاً من ممارس قانوني يخضع لمبادئ أخلاقية، الأكيد سيؤثر على صورة جسم العدالة كاملاً في نظر الجمهور
:السرية المهنية
إن استخدام المحامي لشبكة تواصل اجتماعية يجعل من الممكن الكشف عن بعض المعلومات المتعلقة بالعلاقات المنسوجة في إطار نشاطه المهني كإضافة الموكلين إلى قائمة الأصدقاء أو مشاركة معلومات معينة يمكن أن هذا يؤثر تسريبها سلباً على قضايا رائجة أمام القضاء، وبالتالي يضرب بمبدأ السرية المهنية التي يفترض بالمحامي والعاملين معه في مكتبه الحفاظ عليها. هذه السرية التي من المفترض أن تكون عامة ومطلقة وغير محدودة في زمان معين. هذه الاحتمالات وكذلك صدى التعليقات التي تتم على المنشورات، تعرض المحامين لمخاطر أخلاقية بشكل أساسي ومن المحتمل أن تضر بسمعتهم، وتترتب عليها مخالفات مهنية.
:الاستشارات في المنتديات والمجموعات العامة
لا يمكن للمحامي تقديم أي خدمة أو تقديم نصيحة أو استشارة في منتدى مناقشة الكتروني أو أي مجموعة افتراضية عامة أخرى. حرصت قوانين وأعراف المهنة عالمياً منذ عهد بعيد على صون كرامة المحامي أثناء تقديم و إعطاء الاستشارات القانونية نظراً لحساسية هذا المستوى في علاقة الموكل مع دفاعه، فجاءت المادة 42 من القانون المنظم لمهنة المحاماة رقم 28.08 واضحة في هذا الصدد إذ فرضت على المحامي استقبال موكليه وإعطاء استشارته في مكتبه، وساغت له في الفقرة الثانية التوجه إلى مقر موكله شريطة إذن النقيب المسبق والتقيد بمراعاة مقتضيات وأخلاق المهنة وإذا حتمت ذلك ظروف استثنائية
تتجلى مخاطر تقديم الاستشارات عبر الأنترنت وخصوصاً في مجموعات ومنتديات مفتوحة في الإنقاص من كرامة المحامي أولاً، وإعطاء نصائح غالباً غير دقيقة لعدم فهم الحالة وإحاطتها من جميع الجوانب القانونية والاجتماعية ثانياً. ما يرتب عواقب غير محمودة تؤثر في المرتبة الأولى على سمعة المحامي وفي مرتبة أخرى على نظرة المجتمع للمحامين بشكل عام. وتكون الطامة الكبرى إذا ما أخفى المستشار عبر الأنترنت هويته تحت أسم مستعار أو تحت أسم صفحة للاستشارات القانونية مثلاً ما يجعله يتملص من المسؤولية بجميع أشكالها. في هذا الصدد عام 2013 تم طرد محامي من هيئة ماكون شرق فرنسا بسبب العمل تحت اسم مستعار في تويتر. لذلك فعلى المحامي أن يمتنع عن التعاقد أو التعامل أو الاشتراك مع أية وسيلة إعلامية للرد على اسئلة قانونية توجه إليه من الجمهور مباشرة في برامج منظمة، وأن يتجنب الاجابة أمام وسائل الإعلام في جميع الأحوال على اسئلة مباشرة لها طابع الاستشارة القانونية الخاصة
:الإشهار عبر مواقع التواصل الاجتماعي
يوماً بعد يوم يستخدم العالم الإشهار أو التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكبر. ففي عام 2019، استخدم 94٪ من المسوقين عبر العالم فيسبوك
في الولايات المتحدة الأمريكية يسمح للمحامي في بعض الولايات الإعلان لنفسه عبر شراء دعايات عبر الأنترنت والتلفاز وفي الأماكن العامة ووضع صوره في محطات القطار ومواقف الحافلات. ولكن الحال ليس نفسه في أعراف وقوانين المهنة في أوروبا
يقول نقيب سابق لمحامي بروكسل أن استخدام المحامين لشبكات التواصل الاجتماعي هو تواصل تجاري بمعنى المبادئ الموجهة للسوق الأوروبية ، وعلى هذا النحو، لا يزال المحامي ملزماً باحترام القواعد الأساسية للمهنة، تم ذكر هذا المبدأ في قانون مجلس نقابات المحامين الأوروبي “CCBE”. وبمقتضى المادتين 10.1 و 10.2 من القواعد الداخلية الوطنية للمحامين في فرنسا، يحق للمحامي الإشهار لنفسه من خلال نشر معلومات بين العامة بشرط احترام المبادئ الأساسية للمهنة. وأن لا يشكل المكان المخصص للإشهار أي تضليل للجمهور
في المغرب، لا يختلف الأمر كثيراً عن ما هو عليه في دول الإتحاد الأوروبي فالمادة 35 من القانون المنظم للمهنة في فقرتها الأولى واضحة في هذا الشأن حيث تنص على ما يلي: “لا يجوز للمحامي أن يمارس أي عمل يستهدف جلب الأشخاص، واستمالتهم، ولا أن يقوم بأي إشهار كيفما كانت وسيلته”
وتعود لتنص في الفقرة الأخيرة: “يحق للمحامي أن يتوفر على موقع في وسائل الاتصال الإلكترونية يشير فيه، باقتضاب، إلى نبذة عن حياته، ومساره الدراسي والمهني، وميادين اهتماماته القانونية وأبحاثه، شريطة الحصول على إذن مسبق من النقيب بمضمون ذلك”. ويتفق القانون المنظم لمهنة المحاماة في سورية رقم 31 الصادر بتاريخ 21/08/1981 مع هذا التوجه حيث تنص المادة 71 منه: “لا يجوز للمحامي أن يعلن عن نفسه بشكل لا يتفق مع تقاليد المحاماة وأن يسعى وراء الموكلين مباشرة أو عبر أحد”. وعلى هذا فإن الإشهار في مواقع التواصل الإجتماعي يجب أن يخضع للقواعد والأعراف التقليدية لمهنة المحاماة. وأن أي موقع للمحامي يجب أن يحصل على إن من النقيب حصراً
:خلاصة
إن استخدام المحامين لوسائل التواصل الاجتماعي هو حقيقة لا يمكن نقاشها، ولكن يجب إدارتها. وأهم ما يجب احترامه من قبل المحامين هو الأعراف والقواعد المهنية التي يجب أن تطبق في الفضاءات الالكترونية بشكل صارم من قبل الهيئات والنقابات. تقدم مواقع التواصل الاجتماعي فرصاً ذهبية في مجال البحث العلمي القانوني وتقرب المحامي من صانعي المحتوى وتجعل القضاء أقرب للمجتمع. ولكن عندما يريد المحامي أن يوجه خطاباً عبر هذه المواقع بصفته المهنية، يجب عليه استحضار أن هذا الخطاب لا يختلف عن الخطاب أمام تجمع من الناس في فضاء عمومي واقعي، بل يمكن أن يكون وقعه مكتوباً أو مسجلاً بشكل صوتي أو مرئي أكبر وأكثر تأثيراً، هذا ما يجعل من المحامي مسؤولاً مهنياً عن ما ينشر في صفحته بواسطته أو بواسطة الأخرين. إن مواقع التواصل الاجتماعي مرآة للمجتمع، بل تمثيل له بشكل افتراضي، فإن استطاع المحامي تأسيس منابر تواصل مهنية وفعالة مع العامة؛ فإنه بلا شك سوف يمثل مهنة النبلاء أيها تمثيل؛ وسوف يكون خير حافظ لرسالتها وخير خليفة لرسلها. هذا ما يرتب عليه مراعاة السرية المهنية أثناء عرض المعلومات الخاصة بموقعه الالكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي. والامتناع عن إعلان نفسه بشكل إشهاري، ومعرفة الحدود بين مشاركة بياناته عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاشهار أو التسويق لنفسه، والتشبث بالوقار المهني والرزانة