تعد مسألة التدبير المالي للأموال المكتسبة بين الزوجين أثناء العلاقة الزوجية من خلال المادة 49 من مدونة الأسرة، نظاما قانونيا جديدا لإدارة وتدبير الأموال المكتسبة بين الزوجين خلال الحياة الزوجية، بحيث أن المشرع أقر اتفاق اختياري يمكن للزوجين من خلاله تنظيم وتدبير أموالهما التي ستكتسب أثناء قيام الزوجية، وذلك عن طريق تحديد كيفية استثمارها، وطريقة توزيعها
و يجب الاشارة أولا إلى الفوائد التي يتيحها هذا النوع من الاتفاقات، و الذي يضمن حقوق المرأة وإقامة المساواة بينها وبين الرجل، يأتي ذلك في ظل مكانة الزوجة داخل المجتمع وداخل الأسرة ، و بالنظر إلى الدور الذي تلعبه في تنمية أموال الاسرة ، كونها أصبحت فاعل اقتصادي مهم داخل المجتمع، بغض النظر عن قيمة هذه المساهمة، و اعترافا لها بالجهود والمساهمة التي تبذلها في تكوين الثروة الأسرية.
ذلك في ظل الوضع السابق عبر مدونة الأحوال الشخصية المتعلقة بالجانب المالي، و التي كانت تقتصر فقط على توزيع المتاع، فالمرأة بعد الطلاق لا تستحق إلا ما كان لها، أو ما هو مضمن بعقد زواجها، من أثاث و تجهيز البيت ومنقولات متنوعة، وهو ما يصطلح عليه بالجهاز أو الشوار، أو ما هو معتاد للنساء فقط، وإلا كان على كل واحد منهما أداء اليمين لإثبات ما يدعي، دون أدنى إشارة إلى الأموال المشتركة بينهما.
إلا أن مدونة الأسرة لسنة 2004 من خلال المادة 49 منها، و التي مكنت الزوجة من حقها في الأموال المكتسبة بعد الزواج، إلا ان هذه المادة يعاب عليها كونها جاءت بصيغة عامة شاملة طرحت العديد من الاشكالات، لامن حيث الفهم السليم لها و مقاصدها ضمن علاقة الزواج، و لا من حيث تطبيقها على أرض الواقع، سواء في حالة وجود اتفاق مكتوب حول التدبير المالي للأموال المكتسبة، أو في حالة غياب هذا الاتفاق
:حالة وجود اتفاق مكتوب على تدبير الأموال المكتسبة بعد الزواج
ظل إبرام اتفاقات تدبير الأموال المكتسبة بصفة مستقلة عن عقد الزواج محدودا جدا، حيث تسجل إحصائيات وزارة العدل أنه خلال 17 سنة أعلى نسبة تم بلوغها هي 0,5 في المائة فقط من نسبة عقود الزواج المبرمة، وهو عدد قليل جدا
:ربما هذا راجع إلى عدة أسباب اعتبرها البعض راجعة إلى ما يلي
أن المشرع لم يحدد طبيعة هذا العقد من حيث اعتبارُه شركة أو غيرَه، كما أنه لم يضع شروطا ولا آثارا لهذا التصرف، لم يحدد مداه و حدوده، بل ترك للزوجين الحرية المطلقة في إجراء الاتفاق، وتحديد كافة شروطه وآثاره، طبقا لنظرية سلطان الإرادة
نظرة المجتمع عامة و الأزواج خاصة إلى مسألة الاتفاق عن تدبير الأموال أثناء إبرام عقد الزواج، أنها تمس الثقة المفترضة بين الزوجين وتثير الحرج بينهما بحسب ما هو مألوف ومتعارف عليه بين الناس
أن تقاليد المجتمع المغربي تجعل العلاقة الزوجية فوق الاعتبارات المادية وتعتبر إثارة هذه المسألة في بداية الزواج أو لحظة ابرام العقد من طرف الزوجة أو أهلها، يجعلهم في موقف محرج او انه ينم على مطامع من الزوجة
ايضا اشكالية العقد في حالة زواج القاصرات ، و أنه مادام المشرع حدد السن الأدنى للزواج في 18 سنة بالنسبة للزوجين معا، وهو نفس السن الذى تكتمل فيه أهلية الأداء لديهما حسب المادة 209، واهلية إبرام الاتفاقات، غير أن الإشكال يطرح في حالة سلوك أحد الزوجين مسطرة الإذن بزواج القاصر، فقد يحدث بأن يكون أحد الزوجين قاصرا، استجابة لطلب الإذن بزواجها طبقا للمادتين 20 و21 من مدونة الأسرة، في هذه الحالة هل تكون الزوجة القاصر أهلا للاتفاق على تدبير الأموال المكتسبة؟
: اشكالية تدبير الأموال المكتسبة في حالة غياب الاتفاق
من أهم الإشكالات التي تطرح في حالة غياب اتفاق مكتوب هي صعوبة إثبات الزوجة مدى مساهمتها في تنمية الأموال المكتسبة لفائدة الزوج، مما تضطر معه للجوء إلى القواعد العامة للمطالبة بحقوقها، و التي تحتم عليها الاستعانة بمختلف وسائل الإثبات و ما تثيره هذه الالية من صعوبات في هذا الباب، اعتبارا لصعوبة إثبات هذه المساهمة أثناء فترة الزواج
و بيدو أن المسألة هذه تبقى متروكة لسلطة القاضي التقديرية، و التي تختلف من محكمة إلى أخرى و من حالة إلى أخرى، إذ يلاحظ – انطلاقا من بعض الأحكام القضائية – أن هذا الأخير ليس على أمر واحد، يختلف باختلاف وسائل الإثبات المقدمة من من طرف الزوجة والتي في الغالب تعتمد فيها المحكمة على ما قدمت الزوجة من أدلة دامغة ، كونها مثلا لها دخل في وظيفة معينة أو تقدمت ببعض الفواتير أوأثبتت أنها تحملت بعض الأعباء المالية الأخرى، كواجبات تمدرس الأطفال و غيرها من الأعباء التي تخص تدبير الحياة الزوجية و تكاليفها المالية، إلا أن في حالة غياب هذه الأدلة يستعصي على الزوجة إثبات تنمية الأموال المكتسبة، لا سيما من خلال الاحتجاج بمساهمة فقط من خلال بعض الأعباء و الأشغال المنزلية، هذه الأخيرة التي اعتبرتها الكثير من المحاكم إلتزام لا أكثر، باستثناء حكم فريد أقر بأحقية الزوجة في الأموال المكتسبة بعد الزواج، والذي أكد على أن عمل الزوجة اليومي ولو داخل البيت يعد مساهمة منتجة عند التقييم على أساس أن عقد الزواج لا يلزم الزوجة بخدمة البيت
.وبذلك يكون التضارب في الاجتهادات القضائية بهذا الخصوص يؤثر على عدم استقرار تطبيق مقتضيات المادة 49 و يضعفها
:وعلى هذا الأساس ظهرت العديد من المقترحات لإصلاح المادة 49 المقدمة من مختلف الهيئات الحقوقية و السياسية و المؤسساتية من بين
جعل وثيقة عقد الاتفاق على تقسيم الأموال المكتسبة بشكل رسمي ملزمة عند عملية إبرام عقد ا
إلزامية إبرام وثيقة الاتفاق على استثمار الأموال المكتسبة أثناء الحياة الزوجية مع ضرورة تحديد نصيب كل واحد من الزوجين، على أن لا تقل نسبة هذا النصيب عن الثلث مثلا، من مجموع ما يتم اكتسابه من أموال وممتلكات؛
التنصيص على اعتبار الأموال المنشأة أثناء العلاقة الزوجية عند غياب الاتفاق، أموالا مشتركة بين الزوجين؛
جعل العش الزوجي المكتسب فترة الزواج حق مكتسب للزوجة وبناتها في حالة وفاة الزوج، وخارج عملية الميراث عبر اجتهاد قضائي لا يسمح للغير في اقتسامه لما يسبب ذلك من أضرار نفسية واجتماعية على الأسرة التي يغيب فيها الولد؛
تثمين العمل المنزلي للزوجة لتصبح شريكة في مال الزوج، حتى لو كانت غير موظفة وليس لها دخل مادي، باعتماد هذا النوع من العمل كعنصر مساهمة و ذو قيمة؛
مراجعة نظام الإثبات في مجال المساهمة المالية للزوجة بما يضمن إمكانية الوصول إلى مختلف أشكال مساهمتها في تنمية أموال الأسرة؛
تعديل المادة 51 من مدونة الاسرة خاصة الفقرة الثالثة منها التي تنص على «تحمل الزوجة مع الزوج مسؤولية تسيير ورعاية شؤون البيت والأطفال» التي يستند عليها الاجتهاد القضائي في تفسير المادة 49، حيث يستبعد العمل المنزلي من المساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال الزواج؛
إمكانية مطالبة الزوجة لحقها في في حالة وفاة الزوج، من الأموال المكتسبة بعض الزواج، وخارج عملية الميراث؛
إدراج تحديد المساهمة في تنمية أموال الأسرة أثناء قيام العلاقة الزوجية ضمن المستحقات التي تحكم بها المحكمة عند حل ميثاق الزوجية
لكن في رأينا المادة 49 من مدونة الأسرة تحتاج الى مراجعة شاملة لنظام تدبير الأموال المكتسبة أثناء قيام العلاقة الزوجية من أجل تحقيق الحماية القانونية للزوجين وتكريس الرعاية المشتركة في تدبير شؤون البيت والأطفال
أن أي إصلاح مرتقب لمقتضيات المادة 49، يجب ألا ينقل مؤسسة الزواج إلى وضع شبيه بالشركة و أنظمتها، و أن لا ينظر إلى الزواج كمؤسسة اقتصادية ربحية مالية، في حين أن الأمر مختلف قائم على أبعاد أعمق، ينطلق من مبدأ قدسية علاقة الزواج، كونها علاقة او ميثاق تراض وترابط شرعي على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين؛
لكن في نفس الوقت ينبغي الحفاظ على الحقوق المالية الزوجين، بالنظر إلى ما يمكن أن ينشأ من نزاع في المستقبل، لا بالنسبة للزوجة و ما قدمته أثناء فترة الزواج و دون تعرضها للضرر و الضياع والفقر، و لا بالنسبة للزوج أيضا ودون تعريض أمواله للضياع، هي معادلة و توازن صعب المراس، يجب أن ينبني على أبعاد عميقة و غايات اسمى، تنصب كلها في مبادئ الحفاظ على مؤسسة الزواج و تماسكها، و الحفاظ على المصلحة الفضلى للأسرة و الأطفال
كل ذلك يؤكد ضرورة توسيع مجال الاجتهاد القضائي في تفسيره للمادة 49 من مدونة الأسرة، ثم استثمار قواعد ومبادئ ونظريات الفقه المالكي في حماية حقوق المرأة المالية، والاستعانة ببعض الأعراف التقليدية كالكد و السعاية، بالرغم من أن هذا العرف واسع المفهوم و التطبيق، وكذا العمل بكل التجارب الفضلى داخل الوطن وخارجه، هذا مع توسيع مجال الإثبات و توحيد العمل القضائي، مع الأخذ بعين الاعتبار العمل المنزلي كعنصر مهم في تنمية الأموال المشتركة بين الزوجين بغض النظر عن نسبته
عموما هذه بعض أهم النقاط التي يمكن رصدها في الموضوع، في انتظار ما ستسفر عنه مقترحات اللجنة الملكية المكلفة بتعديل مدونة الأسرة